فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض}.
لما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرّة مما يقدر عليه الرّب قرّر ذلك فقال: قل يا محمد للمشركين {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض} أي من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السموات؛ أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما فيها من المنافع.
{وَالأَرْضِ} أي الخارجة من الأرض عن الماء والنبات أي لا يمكنهم أن يقولوا هذا فِعْلُ آلهتنا فيقولون لا ندري، فقل إن الله يفعل ذلك الذي يعلم ما في نفوسكم.
وإن قالوا: إن الله يرزقنا فقد تقررت الحجة بأنه الذي ينبغي أن يعبد.
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} هذا على وجه الإنصاف في الحجة؛ كما يقول القائل: أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب.
والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد، بل على أمرين متضادّين، وأحد الفريقين مهتدٍ وهو نحن والآخر ضالّ وهو أنتم؛ فكذّبهم بأحسن من تصريح التكذيب، والمعنى: أنتم الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والأرض.
{أَوْ إِيَّاكُمْ} معطوف على اسم أن ولو عطف على الموضع لكان {أو أنتم} ويكون {لَعَلَى هُدًى} للأول لا غير.
وإذا قلت: {أَوْ إِيّاكُمْ} كان للثاني أوْلى، وحذفت من الأول، ويجوز أن يكون للأول، وهو اختيار المبرد، قال: ومعناه معنى قول المستبصر لصاحبه على صحة الوعيد والاستظهار بالحجة الواضحة: أحدنا كاذب، قد عرف المعنى، كما تقول: أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطىء، وقد عرف أنه هو المخطىء، فهكذا {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}.
وأو عند البصريين على بابها وليست للشك، ولكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى.
وقال أبو عبيدة والفراء: هي بمعنى الواو، وتقديره: وإنا على هدى وإياكم في ضلال مبين.
وقال جرير:
أثعلبةَ الفوارس أو رياحًا ** عدلْتَ بهم طُهَيَّةَ والرَّبابا

يعني أثعلبة ورياحا.
وقال آخر:
فلما اشتد أمر الحرب فينا ** تأمّلنا رياحًا أو رِزاما

قوله تعالى: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} أي اكتسبنا، {وَلاَ نُسْأَلُ} نحن أيضًا {عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي إنما أقصد بما أدعوكم إليه الخير لكم، لا أنه ينالني ضرر كفركم، وهذا كما قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] والله مجازي الجميع.
فهذه آية مهادنة ومتاركة، وهي منسوخة بالسيف.
وقيل: نزل هذا قبل آية السيف.
قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يريد يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} أي يقضي فيثيب المهتدي ويعاقب الضال {وَهُوَ الفتاح} أي القاضي بالحق {العليم} بأحوال الخلق.
وهذا كله منسوخ بآية السيف.
قوله تعالى: {قُلْ أَرُونِيَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} يكون {أَرُونِيَ} هنا من رؤية القلب، فيكون {شُرَكَاء} المفعول الثالث، أي عرفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لِلَّهِ عز وجل، وهل شاركت في خلق شيء، فبينوا ما هو؟ وإلا فلِم تعبدونها.
ويجوز أن تكون من رؤية البصر، فيكون {شُرَكَاء} حالًا.
{كَلاَّ} أي ليس الأمر كما زعمتم.
وقيل: إن {كَلا} ردّ لجوابهم المحذوف، كأنه قال: أروني الذين ألحقتم به شركاء.
قالوا: هي الأصنام.
فقال كلا، أي ليس له شركاء {بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السموات والأرض} أمرَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بتبكيتِ المشركين بحملهم على الإقرارِ بأنَّ آلهتَهم لا يملكونَ مثقالَ ذَرَّةِ فيهما وأنَّ الرَّازقَ هو الله تعالى فإنَّهم لا ينكرونه كما ينطقُ به قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والابصار وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى وَمَن يُدَبّرُ الأمر فَسَيَقُولُونَ الله} وحيث كانُوا يتلعثمُون أحيانًا في الجواب مخافةَ الإلزامِ قيل له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ {قُلِ الله} إذ لا جوابَ سواهُ عندهم أيضًا {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ} أي وإنَّ أحدَ الفريقينِ من الذين يوحِّدون المتوحِّدَ بالرِّزقِ والقُدرة الذَّاتيةِ ويخصونه بالعبادة والذين يُشركون به في العبادةِ الجمادَ النَّازلَ في أدنى المراتبِ الإمكانية لعلى أحدِ الأمرينِ من الهُدى والضَّلالِ المُبين وهذا بعد ما سبق من التَّقرير البليغ النَّاطقِ بتعيين من هُو على الهدى ومن هو في الضَّلالِ أبلغ من التَّصريحِ بذلك لجريانه على سَننِ الإنصاف المُسكتِ للخَصمِ الألدِّ. وقُرىء وأنَا أو إيَّاكم إما على هُدى أو في ضلال مبين، واختلافُ الجارِين للإيذان بأنَّ الهاديَ كمن استعلى منارًا ينظرُ الأشياء ويتطلَّع عليها والضَّالُّ كأنَّه منغمسٌ في ظلامٍ لا يَرى شيئًا أو محبوسٌ في مطمورةٍ لا يستطيعُ الخروجَ منها.
{قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وهذا أبلغُ في الإنصافِ وأبعدُ من الجَدَلِ والاعتسافِ حيثُ أسند فيه الإجرامُ وإنْ أُريد به الزَّلَّةُ وتركُ الأولى إلى أنفسهم، ومطلقُ العمل إلى المخاطبين مع أنَّ أعمالهم أكبرُ الكبائرِ {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يومَ القيامةِ عند الحشرِ والحسابِ {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} أي يحكمُ بيننا ويفصلُ بعد ظهورِ حالِ كلَ منّا ومنكم بأن يدخل المحقِّين الجنة والمبطلين النار.
{وَهُوَ الفتاح} الحاكم الفيصلُ في القضايا المتعلِّقةِ {العليم} بما ينبغي أنْ يُقضى به {قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ} أي ألحقتمُوهم {بِهِ شُرَكَاء} أُريد بأمرهم بإراءةِ الأصنامِ مع كونها بمرأى منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إظهار خطئِهم العظيمِ وإطلاعهم على بُطلانِ رأيهم أي أَرُونيها لأنظرَ بأيِّ صفةٍ ألحقتُموها بالله الذي ليسَ كمثلِه شيءٌ في استحقاقِ العبادةِ، وفيه مزيدُ تبكيتٍ لهم بعد إلزامِ الحجَّةِ عليهم {كَلاَّ} ردعٌ لهم عن المشاركةِ بعد إبطالِ المقايسةِ {بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم} أي الموصوفُ بالغلبةِ القاهرةِ والحكمةِ الباهرةِ فأينَ شركاؤكم التي هي أخسُّ الأشياء وأذلُّها من هذه الرُّتبةِ العاليةِ، والضَّميرُ إمَّا لله عزَّ وعَلاَ أو للشَّأنِ كما في {قُلْ هُو الله أحدٌ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماوات والأرض} أمر صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتًا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عز وجل فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانًا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسلام {قُلِ الله} إذ لا جواب سواه عندهم أيضًا {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ} أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عز وجل ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من ماول أو مناف قال لمن خوطب به: قد انصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:
أتهجوه ولست له بكفىء ** فشركما لخيركما الفداء

وقول أبي الأسود:
يقول الارذلون بنو قشير ** طوال الدهر لا تنسى عليا

بنو عم النبي وأقربوه ** أحب الناس كلهم إليا

فإن يك حبهم خيرًا أصبه ** ولست بمخطىء إن كان غيا

وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه ** أو كسر عظم من عظامه

والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون {على هُدًى} راجعًا لقوله تعالى: {أَنَاْ} و {فِى ضلال} راجعًا لقوله سبحانه {إِيَّاكُمْ} فإن العقل يحكم بذلك كما في قول أمرى القيس.
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسا ** لدى وكرها العناب والحشف البالي

ولا يخفى بعده، وأيًا ما كان فليس هذا من باب التقية في شيء كما يزعمه بعض الجهلة، والظاهر أن {لَّعَلّى هُدًى} الخ خبر {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِيَّاكُمْ} من غير تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لمتصف بأحد الأمرين كقولك زيد أو عمرو في السوق أو في البيت، وقيل: هو خبر {أَنَاْ} وخبر {إِيَّاكُمْ} محذوف تقديره لعلى هدى أو في ضلال مبين، وقيل: هو خبر {إِيَّاكُمْ} وخبر {أَنَاْ} محذوف لدلالة ما ذكر عليه، و {إِيَّاكُمْ} على تقديران ولكنها لما حذفت انفصل الضمير.
وفي البحر لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر، والمتبادر أن {مُّبِينٌ} صفة {ضلال} ويجوز أن يكون وصفًا له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم إفراده بعد المعطوف باو، وأدخل على على الهدى للدلالة على استعلاء صاحبه وتمكنه واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء، و {فِى} على الضلال للدلالة على انغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في هواة مظلمة لا يدري أين يتوجه ففي الكلام استعارة مكنية أو تبعية.
وفي قراءة أبي {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِيَّاكُمْ أَمَّا على هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ}.
{قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)}.
هذا أبلغ في الإنصاف حيث عبر عن الهفوات التي لا يخلو عنها مؤمن بما يعبر به عن العظائم وأسند إلى النفس وعن العظائم من الكفر ونحوه بما يعبر به عن الهفوات وأسند للمخاطبين وزيادة على ذلك أنه ذكر الإجرام المنسوب إلى النفس بصيغة الماضي الدالة على التحقق وعن العمل المنسوب إلى الخصم بصيغة المضارع التي لا تدل على ذلك، وذكر أن في الآية تعريضًا وأنه لا يضر بما ذكر، وزعم بعضهم أنها من باب المتاركة وأنها منسوخة بآية السيف.
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القيامة عند الحشر والحساب {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} يقضي سبحانه بيننا ويفصل بعد ظهور رحال كل مناو منكم بالعدل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار {وَهُوَ الفتاح} القاضي في القضايا المنغلقة فكيف بالواضحة كابطال الشرك وإحقاق التوحيد أو القاضي في كل قضية خفية كانت أو واضحة؛ والمبالغة على الأول في الكيف وعلى الثاني في الكم، ولعل الوجه الأول أولى، وفيه إشارة إلى وجه تسمية فصل الخصومات فتحا وانه في الأصل لتشبيه ما حكم فيه بأمر منغلق كما يشبه بأمر منعقد في قولهم: حلال المشكلات، وقرأ عيسى {الفاتح} {السميع العليم} بما ينبغي أن يقضي به أو بكل شيء.
{قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء}.
استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم، وأرى على ما استظهره أبو حيان بمعنى أعلم فتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ياء المتكلم والموصول و {شركا} وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم، والمراد اعلموني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وجوز كون رأى بصرية تعدت بالنقل لاثنين ياء المتكلم والموصول و {للَّهِ شُرَكَاء} حال من ضمير الموصول المحذوف أي ألحقتموهم متوهمًا شركتهم أو مفعول ثان لألحق لتضمينه معنى الجعل أو التسمية، والمراد أرونيهم لأنظر بأي صفة ألحقتموهم بالله عز وجل الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة أو ألحقتموهم به سبحانه جاعليهم أو مسميهم شركاء، والغرض إظهار خطئهم العظيم.
وقال بعض الأجلة: لم يرد من {أَرُونِىَ} حقيقته لأنه صلى الله عليه وسلم كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل، والمعنى ما زعمتموه شريكًا إذا برز للعيون وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم، وهذا كما تقول للرجل الخسيس الأصل اذكر لي أباك الذي قايست به فلانًا الشريف ولا تريد حقيقة الذكر وإنما تريد تبكيته وانه إن ذكر أباه افتضح.
{كَلاَّ} ردع لهم عن زعم الشركة بعد ما كسره بالإبطال كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام {أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} [الأنبياء: 67] بعد ما حج قومه {بَلِ الله العزيز} أي الموصوف بالغلبة القاهرة المستدعية لوجوب الوجود {الحكيم} الموصوف بالحكمة الباهرة المستدعية للعلم المحيط بالأشياء، وهؤلاء الملحقون عن الاتصاف بذلك في معزل وعن الحوم حول ما يقتضيه بألف ألف منزل، والضمير اما عائد لما في الذهن وما بعده وهو الله الواقع خبرًا له يفسره و {العزيز الحكيم} صفتان للاسم الجليل أو عائد لربنا في قوله سبحانه: {يفتح بيننا بالحق} [سبأ: 26] على ما قيل أو هو ضمير الشأن و {الله} مبتدأ و {العزيز الحكيم} خبره والجملة خبر ضمير الشأن لأن خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}.
انتقال من دَمْغ المشركين بضعف آلهتهم وانتفاء جدواها عليهم في الدنيا والآخرة إلى إلزامهم بطلان عبادتها بأنها لا تستحق العبادة لأن مستحق العبادة هو الذي يرزق عباده فإن العبادة شكر ولا يستحق الشكر إلا المنعم، وهذا احتجاج بالدليل النظري لأن الاعتراف بأن الله هو الرزاق يستلزم انفراده بإلهيته إذ لا يجوز أن ينفرد ببعض صفات الإلهية ويشارك في بعض آخر فإن الإِلهية حقيقة لا تقبل التجزئة والتبعيض.
وأعيد الأمر بالقول لزيادة الاهتمام بالمقول فإن أصل الأمر بالقول في مقام التصدّي للتبليغ دال على الاهتمام، وإعادة ذلك الأمر زيادة في الاهتمام.
و {مَن} استفهام للتنبيه على الخطأ ولذلك أعقب بالجواب من طرف السائل بقوله: {قل الله} لتحقق أنهم لا ينكرون ذلك الجواب كما في قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار} إلى قوله: {فسيقولون اللَّه} في سورة يونس (31).
وتقدم نظير صدر هذه الآية في سورة الرعد.
وعطف على الاستفهام إبراز المقصد بطريقة خفية تُوقع الخصم في شرك المغلوبية وذلك بترديد حالتي الفريقين بين حالة هدى وحالة ضلال لأن حالة كل فريق لما كانت على الضد من حال الفريق الآخر بَيْن موافقة الحق وعدمها، تعين أن أمر الضلال والهدى دائر بين الحالتين لا يعدوانهما.
ولذلك جيء بحرف أو المفيد للترديد المنتزع من الشك.